الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
وَهُوَ يَأْتِي عَلَى ضَرْبَيْنِ: سَاكِنٌ، وَمُتَحَرِّكٌ، الْهَمْزُ الْمُفْرَدُ السَّاكِنُ يَأْتِي عَلَى ضَرْبَيْنِ وَيَقَعُ فَاءً مِنَ الْفِعْلِ وَعَيْنًا وَلَامًا.
فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ السَّاكِنُ، وَيَأْتِي بِاعْتِبَارِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَضْمُومٌ مَا قَبْلَهُ نَحْوُ يُؤْمِنُونَ}، وَ{رُؤْيَا}، وَ{مُؤْتَفِكَةُ}، وَ{لُؤْلُؤٍ}، وَ{يَسُؤْكُمْ}، وَ{يَقُولُ ائْذَنْ لِي} وَمَكْسُورٌ نَحْوُ {بِئْسَ}، وَ{جِئْتَ}، وَ{شِئْتَ}، وَ{رِئْيًا}، وَ{نَبِّئْ}، وَ{الَّذِي ائْتُمِنَ} وَمَفْتُوحٌ نَحْوُ {فَأَتُوهُنَّ}، {فَأْذَنُوا}، {وَآتَوْا}، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ}، وَ{مَأْوَى}، وَ{اقْرَأْ}، وَ{إِنْ يَشَأْ}، وَ{الْهُدَى ائْتِنَا} فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ جَمِيعَ ذَلِكَ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ فِيهِ حَرْفَ مَدٍّ بِحَسَبِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ إِنْ كَانَتْ ضَمَّةً فَوَاوٌ، أَوْ كَسْرَةً فَيَاءٌ، أَوْ فَتْحَةً فَأَلِفٌ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَلِمَتَيْنِ، وَهُمَا {أَنْبِئْهُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَ{نَبِّئْهُمْ} فِي الْحِجْرِ وَالْقَمَرِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ {نَبِّئْنَا} فِي يُوسُفَ. فَرَوَى عَنْهُ تَحْقِيقَهَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ مِنْ رِوَايَتَيِ ابْنِ وَرْدَانَ وَابْنِ جَمَّازٍ جَمِيعًا. وَرَوَى الْهُذَلِيُّ إِبْدَالَهَا مِنْ طَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَرَوَى تَحْقِيقَهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَكَذَا أَبُو الْعِزِّ مِنْ طَرِيقِ النَّهْرَوَانِيِّ عَنْهُ، وَإِبْدَالُهَا عَنْهُ مِنْ سَائِرِ طُرُقِهِ، وَقَطَعَ لَهُ بِالتَّحْقِيقِ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَأَطْبَقَ الْخِلَافَ عَنْهُ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ، وَأَجْمَعَ الرُّوَاةُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ وَاوًا فِي {رُؤْيَا}، وَ{الرُّؤْيَا} وَمَا جَاءَ مِنْهُ يَقْلِبُ الْوَاوَ يَاءً، وَيُدْغِمُ الْيَاءَ فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا مُعَامَلَةً لِلْعَارِضِ مُعَامَلَةَ الْأَصْلِيِّ، وَإِذَا أَبْدَلَ {تُؤْوِي} وَ{تُؤْوِيهِ} جَمَعَ بَيْنَ الْوَاوَيْنِ مُظْهِرًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى {رِئْيًا} وَافَقَهُ وَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَلَى الْإِبْدَالِ فِي الْبَابِ كُلِّهِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ وَخَمْسَةَ أَفْعَالٍ، فَالْأَسْمَاءُ الْبَأْسُ وَالْبَأْسَاءُ، اللُّؤْلُؤُ وَلُؤْلُؤٌ حَيْثُ وَقَعَ وَرِئْيًا فِي مَرْيَمَ وَ{الْكَأْسُ}، {وَالرَّأْسُ} حَيْثُ وَقَعَا، وَالْأَفْعَالُ: جِئْتُ وَمَا جَاءَ مِنْهُ، نَحْوُ {أَجِئْتَنَا}، وَ{جِئْنَاهُمْ}، وَ{جِئْتُمُونَا}، وَ{نَبِّئْ} وَمَا جَاءَ مِنْ لَفْظِهِ نَحْوُ {أَنْبِئْهُمْ}، وَ{نَبِّئْهِمْ}، وَ{نَبِّئْ عِبَادِي}، وَ{نَبَّأْتُكُمَا}، وَ{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} وَقَرَأْتُ، وَمَا جَاءَ مِنْهُ نَحْوُ {قَرَأْنَاهُ}، وَ{اقْرَأْ}، {وَهَيِّئْ}، {وَيُهَيِّئْ}، {تُؤْوِي}، وَتُؤْوِيهِ وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ نَصًّا وَأَدَاءً، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ فَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا سِوَى {ذَرَأْنَا} وَ{تَبَرَّأْنَا} بِخِلَافٍ، فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْهُذَلِيُّ حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْأَفْعَالَ، وَانْفَرَدَ الصَّفْرَاوِيُّ بِاسْتِثْنَاءِ يَشَا، وَيَسُوهُمْ، وَرُويَا فَحَكَى فِيهَا خِلَافًا، وَأَظُنُّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي مَعْشَرٍ الطَّبَرِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا فَهِمَ، إِذْ قَدْ نَصَّ أَبُو مَعْشَرٍ عَلَى إِبْدَالِهَا وَبَابِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْهَمْزُ أَظْهَرُ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَتَحَقَّقَ فِيهَا سِوَى الْإِبْدَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، فَإِنَّهُ يُبْدِلُ الْهَمْزَةَ إِذَا وَقَعَتْ فَاءً مِنَ الْفِعْلِ نَحْوُ يُومِنُونَ، وَيَالَمُونَ، وَيَاخُذُ، وَمُومِنٌ، وَلِقَانَا ايْتِ، وَالْمُوتَفِكَاتُ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا مُطَّرِدًا، وَهُوَ مَا جَاءَ مِنْ بَابِ الْإِيوَاءِ نَحْوُ {تُؤْوِي إِلَيْكَ}، وَ{الَّتِي تُؤْوِيهِ}، وَ{الْمَأْوَى}، وَمَأْوِيكُمْ، وَ{فَأْوُوا} وَلَمْ يُبْدِلْ مِمَّا وَقَعَ عَيْنًا مِنَ الْفِعْلِ سِوَى {بِيسَ} كَيْفَ أَتَى وَالْبِيرُ، وَالذِّيبُ وَحَقَّقَ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي إِبْدَالِ الْهَمْزِ السَّاكِنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُبَيَّنًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَنُشِيرُ هُنَا إِلَى زِيَادَةٍ تَتَعَيَّنُ مَعْرِفَتُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّانِيَّ قَالَ فِي التَّيْسِيرِ : اعْلَمْ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ إِذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَدْرَجَ الْقِرَاءَةَ، أَوْ قَرَأَ بِالْإِدْغَامِ لَمْ يَهْمِزْ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ. انْتَهَى. فَخَصَّ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَدْرَجَ الْقِرَاءَةَ، أَوْ قَرَأَ بِالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَقَيَّدَهُ مَكِّيٌّ وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَالْمَهْدَوِيُّ، وَابْنُ سُفْيَانَ بِمَا إِذَا أَدْرَجَ الْقِرَاءَةَ، أَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ تَرْكَ الْهَمْزِ فِيهَا، فَحَكَى أَبُو عَمْرٍو، وَعَامِرٌ الْمَوْصِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْيَزِيدِيُّونَ عَنْهُ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ إِذَا قَرَأَ فَأَدْرَجَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَهْمِزْ مَا كَانَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ مَجْزُومَةً، ثُمَّ قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُسْرِعْ فِي قِرَاءَتِهِ وَاسْتَعْمَلَ التَّحْقِيقَ هَمَزَ. قَالَ: وَحَكَى أَبُو شُعَيْبٍ عَنْهُ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ إِذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَهْمِزْ، ثُمَّ قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ- سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ الْحَدْرَ أَوِ التَّحْقِيقَ- هَمَزَ. قَالَ: وَحَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيمُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ وَأَبُو حَمْدُونٍ وَأَبُو خَلَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الدُّورِيِّ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ إِذَا قَرَأَ لَمْ يَهْمِزْ، ثُمَّ قَالَ: فَدَلَّ قَوْلُهُمْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَهْمِزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَفِي حَدْرٍ أَوْ تَحْقِيقٍ. انْتَهَى. وَالْمَقْصُودُ بِالْإِدْرَاجِ هُوَ الْإِسْرَاعُ، وَهُوَ ضِدُّ التَّحْقِيقِ، لَا كَمَا فَهِمَهُ مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ الْوَصْلُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْوَقْفِ، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو إِنَّمَا يُبْدِلُ الْهَمْزَ فِي الْوَصْلِ فَإِذَا وَقَفَ حَقَّقَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَقْلٌ يُتَّبَعُ وَلَا قِيَاسٌ يُسْتَمَعُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ: وَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو فَلَهُ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا التَّحْقِيقُ مَعَ الْإِظْهَارِ وَالتَّخْفِيفُ مَعَ الْإِدْغَامِ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَالثَّانِي التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِظْهَارِ وَجْهٌ وَاحِدٌ. انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ التَّحْقِيقِ مَعَ الْإِدْغَامِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَبِي عَمْرٍو كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ أَجْمَعُوا عَمَّنْ رَوَى الْبَدَلَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو عَلَى اسْتِثْنَاءِ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا تَنْحَصِرُ فِي خَمْسِ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ الْجَزْمُ وَيَأْتِي فِي سِتَّةِ أَلْفَاظٍ، وَهِيَ {يَشَاءُ} فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ فِي النِّسَاءِ مَوْضِعٌ، وَفِي الْأَنْعَامِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ، وَفِي إِبْرَاهِيمَ مَوْضِعٌ، وَفِي سُبْحَانَ مَوْضِعَانِ، وَفِي فَاطِرٍ مَوْضِعٌ، وَفِي الشُّورَى مَوْضِعَانِ، وَنَشَاءُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الشُّعَرَاءِ وَسَبَأٍ وَيس وَتَسُؤْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَالْمَائِدَةِ، وَالتَّوْبَةِ وَنَنْسَاهَا فِي الْبَقَرَةِ {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ} فِي الْكَهْفِ وَأَمْ لَمْ يُنَبَّأْ فِي النَّجْمِ.
وَالثَّانِي الْأَمْرُ وَهُوَ الْبِنَاءُ لَهُ، وَيَأْتِي فِي سِتَّةِ أَلْفَاظٍ أَيْضًا، وَهِيَ {أَنْبِئْهُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَ{أَرْجِهْ} فِي الْأَعْرَافِ وَالشُّعَرَاءِ، وَ{نَبِّئْنَا} فِي يُوسُفَ، وَ{نَبِّئْ عِبَادِي} فِي الْحِجْرِ، وَ{نَبِّئْهُمْ} فِيهَا أَيْضًا وَفِي الْقَمَرِ، وَاقْرَأْ فِي سُبْحَانَ وَمَوْضِعَيِ الْعَلَقِ {وَهَيِّئْ لَنَا} فِي الْكَهْفِ.
الثَّالِثُ الثِّقَلُ، وَهُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ أَتَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ} فِي الْأَحْزَابِ وَتُؤْوِيهِ فِي الْمَعَارِجِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ هَمْزُهُ لَاجْتَمَعَ وَاوَانِ، وَاجْتِمَاعُهُمَا أَثْقَلُ مِنَ الْهَمْزِ.
الرَّابِعُ الِاشْتِبَاهُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ {وَرِئْيًا} فِي مَرْيَمَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَمْزِ مِنَ الرُّوَاءِ، وَهُوَ الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ، فَلَوْ تُرِكَ هَمْزُهُ لَاشْتَبَهَ بِرِيِّ الشَّارِبِ، وَهُوَ امْتِلَاؤُهُ، وَانْفَرَدَ عَبْدُ الْبَاقِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ السَّامَرِّيِّ، عَنِ السُّوسِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ فِيهَا يَاءً، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْيَاءَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِدْغَامٍ، كَأَحَدِ وَجْهَيْ حَمْزَةَ فِي الْوَقْفِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَقِيَاسُ ذَلِكَ {تُؤْوِي}، وَ{تُؤْوِيهِ} وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْئًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ الْخُرُوجُ مِنْ لُغَةٍ إِلَى أُخْرَى، وَهُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَوْضِعَيْنِ {مُؤْصَدَةٌ} فِي الْبَلَدِ، وَالْهُمَزَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَمْزِ مِنْ آصَدْتُ، أَيْ: أَطْبَقْتُ، فَلَوْ تُرِكَ لَخَرَجَ إِلَى لُغَةِ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ مِنْ أَرْصَدْتُ، وَانْفَرَدَ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ فِيمَا رَوَاهُ الدَّانِيُّ وَابْنُ الْفَحَّامِ الصَّقَلِّيُّ، عَنْ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَكَذَا أَبُو الصَّقْرِ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ زَيْدٍ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مِهْرَانَ عَنْهُ بِعَدَمِ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الدُّورِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ فَرَحٍ، فَخَالَفَا سَائِرَ النَّاسِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَانْفَرَدَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ مِنْ {بَارِئِكُمْ} فِي حَرْفَيِ الْبَقَرَةِ بِإِحَالَةِ قِرَاءَتِهَا بِالسُّكُونِ لِأَبِي عَمْرٍو مُلْحِقًا ذَلِكَ بِالْهَمْزِ السَّاكِنِ الْمُبْدَلِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ إِسْكَانَ هَذِهِ الْهَمْزَةِ عَارِضٌ تَخْفِيفًا، فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَإِذَا كَانَ السَّاكِنُ اللَّازِمُ حَالَةَ الْجَزْمِ وَالْبِنَاءِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، فَهَذَا أَوْلَى وَأَيْضًا، فَلَوِ اعْتُدَّ بِسُكُونِهَا وَأُجْرِيَتْ مَجْرَى اللَّازِمِ كَانَ إِبْدَالُهَا مُخَالِفًا أَصْلَ أَبِي عَمْرٍو، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُشْتَبَهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَرَا وَهُوَ التُّرَابُ، وَهُوَ فَقَدْ هَمَزَ مُؤْصَدَةٌ وَلَمْ يُخَفِّفْهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَعَ أَصَالَةِ السُّكُونِ فِيهَا، فَإِنَّ الْهَمْزَ فِي هَذَا أَوْلَى، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَقِيَ أَحْرُفٌ وَافَقَهُمْ بَعْضُ الْقُرَّاءِ عَلَى إِبْدَالِهَا، وَخَالَفَ آخَرُونَ فَهَمَزُوهَا، وَهِيَ {الذِّئْبُ} فِي مَوْضِعَيْ يُوسُفَ وَاللُّؤْلُؤُ، وَلُؤْلُؤٌ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا {وَالْمُؤْتَفِكَةُ}، وَ{الْمُؤْتَفِكَاتُ} حَيْثُ وَقَعَا وَرِئْيًا} فِي مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فِي الْكَهْفِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَضِيزَى فِي النَّجْمِ، وَمُؤْصَدَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَمَّا {الذِّئْبُ} فَوَافَقَهُمْ عَلَى إِبْدَالِهِ وَرْشٌ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، وَأَمَّا {اللُّؤْلُؤُ}، وَلُؤْلُؤٌ فَوَافَقَهُمْ عَلَى إِبْدَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَأَمَّا {وَالْمُؤْتَفِكَةَ}، {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} فَاخْتُلِفَ فِيهِمَا عَنْ قَالُونَ. فَرَوَى أَبُو نَشِيطٍ فِيمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ سَوَّارٍ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَسِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ مِنْهُمَا، وَكَذَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْجَمَّالِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَهُوَ طَرِيقُ الطَّبَرِيِّ وَالْعَلَوِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَكَذَا رَوَى الشَّحَّامُ عَنْ قَالُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ لَهُ الدَّانِيُّ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ : وَبِذَلِكَ قَرَأْتُ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي حَمَّادٍ وَابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرِهِمَا، وَبِذَلِكَ آخُذُ. قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو الْفَتْحِ، عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ- يَعْنِي بِالْهَمْزِ- قَالَ الدَّانِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْحُلْوَانِيَّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ. انْتَهَى. وَرَوَى الْجُمْهُورُ، عَنْ قَالُونَ بِالْهَمْزِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْمَغَارِبَةُ وَالْمِصْرِيُّونَ عَنْهُ سِوَاهُ، وَالْوَجْهَانِ عَنْهُ صَحِيحَانِ، بِهِمَا قَرَأْتُ وَبِهِمَا آخُذُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا {رِئْيًا} فَقَرَأَهُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ وَابْنُ ذَكْوَانَ، وَانْفَرَدَ هِبَةُ اللَّهِ الْمُفَسِّرُ، عَنْ زَيْدٍ، عَنِ الدَّاجُونِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ هِشَامٍ بِذَلِكَ، وَرَوَاهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِالْهَمْزِ وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ، وَأَمَّا {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فَقَرَأَهُمَا عَاصِمٌ بِالْهَمْزِ، وَقَرَأَهُمَا الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَأَمَّا {ضِيزَى} فَقَرَأَهُ بِالْهَمْزِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَأَمَّا {مُؤْصَدَةٌ} فَقَرَأَهُ بِالْهَمْزِ أَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ وَحَمْزَةُ وَخَلَفٌ وَحَفْصٌ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْمُتَحَرِّكُ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ مُتَحَرِّكٌ قَبْلَهُ مُتَحَرِّكٌ، الْهَمْزُ الْمُفْرَدُ الْمُتَحَرِّكُ وَمُتَحَرِّكٌ قَبْلَهُ سَاكِنٌ، أَمَّا الْمُتَحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكُ مَا قَبْلَهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ مِنْهُ فِي سَبْعَةِ أَحْوَالٍ:
الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً وَقَبْلَهَا مَضْمُومٌ، فَإِنَّ كَانَتْ فَاءً مِنَ الْفِعْلِ فَاتَّفَقَ أَبُو جَعْفَرٍ وَوَرْشٌ عَلَى إِبْدَالِهَا وَاوًا نَحْوُ يُوَدِّهِ، وَيُوَاخِذُ، وَيُوَلِّفُ، وَمُوَجَّلًا، وَمُوَذِّنٌ، وَالْمُوَلَّفَةِ وَاخْتَلَفَ ابْنُ وَرْدَانَ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ {يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ} فِي آلِ عِمْرَانَ، فَرَوَى ابْنُ شَبِيبٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْعَلَّافِ وَغَيْرِهِ، وَابْنِ هَارُونَ مِنْ طَرِيقِ الشَّطَوِيِّ وَغَيْرِهِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ تَحْقِيقَ الْهَمْزَةِ فِيهِ. وَكَذَا رَوَى الرَّهَاوِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْفَضْلِ، وَكَأَنَّهُ رَاعَى فِيهِ وُقُوعَ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَ الْوَاوِ، فَيَجْتَمِعُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ مِنْ حُرُوفِ الْعِلَّةِ، وَرَوَى سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْهُ الْإِبْدَالَ طَرْدًا لِلْبَابِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ جَمَّازٍ، وَاخْتَلَفَ أَيْضًا عَنْ وَرْشٍ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ {مُؤَذِّنٌ} فِي الْأَعْرَافِ وَيُوسُفَ. فَرَوَى عَنْهُ الْأَصْبَهَانِيُّ تَحْقِيقَ الْهَمْزَةِ فِيهِ، وَكَأَنَّهُ رَاعَى مُنَاسَبَةَ لَفْظِ {فَأَذَّنَ} وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ مَقْصُودَةٌ عِنْدَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحُرُوفِ، وَرَوَى عَنْهُ الْأَزْرَقُ الْإِبْدَالَ عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا مِنَ الْفِعْلِ، فَإِنَّ الْأَصْبَهَانِيَّ عَنْ وَرْشٍ اخْتَصَّ بِإِبْدَالِهَا فِي حَرْفٍ، وَهُوَ الْفُوَادَ، وَفُوَادُ وَهُوَ فِي هُودٍ، وَسُبْحَانَ، وَالْفُرْقَانِ، وَالْقَصَصِ، وَالنَّجْمِ. وَإِنْ كَانَتْ لَامًا مِنَ الْفِعْلِ، فَإِنَّ حَفْصًا اخْتَصَّ بِإِبْدَالِهَا فِي {هُزُوًا}، وَهُوَ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، فِي الْبَقَرَةِ مَوْضِعَانِ {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا}، {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} وَفِي الْمَائِدَةِ مَوْضِعَانِ {لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا}، {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} وَفِي الْكَهْفِ مَوْضِعَانِ {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} وَفِي الْأَنْبِيَاءِ {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}، وَكَذَا فِي الْفُرْقَانِ، وَفِي لُقْمَانَ {اتَّخَذَهَا هُزُوًا}، وَ{اتَّخَذَهَا هُزُوًا} فِي الْجَاثِيَةِ، وَفِي {كُفُوًا}، وَهُوَ فِي الْإِخْلَاصِ.
الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً وَقَبْلَهَا مَكْسُورٌ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يُبْدِلُهَا يَاءً فِي {رِئَاءَ النَّاسِ}، وَهُوَ فِي الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفَالِ، وَفِي {خَاسِئًا} فِي الْمُلْكِ، وَفِي {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} فِي الْمُزَّمِّلِ، وَفِي {شَانِئَكَ}، وَهُوَ فِي الْكَوْثَرِ، وَفِي {اسْتُهْزِئَ}، وَهُوَ فِي الْأَنْعَامِ وَالرَّعْدِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَفِي {قُرِئَ}، وَهُوَ فِي الْأَعْرَافِ وَالِانْشِقَاقِ، وَفِي {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ}، وَهُوَ فِي النَّحْلِ وَالْعَنْكَبُوتِ، وَفِي {لَيُبَطِّئَنَّ}، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ، وَفِي {مُلِئَتْ}، وَهُوَ فِي الْجِنِّ، وَكَذَلِكَ {يُبْدِلُهَا} فِي {خَاطِئَةٍ}، وَ{الْخَاطِئَةُ}، وَ{مِائَةٌ}، وَ{فِئَةٌ} وَتَثْنِيَتُهُمَا، وَانْفَرَدَ الشَّطَوِيُّ عَنِ ابْنِ هَارُونَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْعَلَّافِ، عَنْ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شَبِيبٍ، فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْ زَيْدٍ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي مَوْطِيًا فَقَطَعَ لَهُ بِالْإِبْدَالِ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَكَذَلِكَ الْهُذَلِيُّ مِنْ رِوَايَتَيِ ابْنِ وَرْدَانَ وَابْنِ جَمَّازٍ جَمِيعًا، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا هَمْزَةٌ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَبُو الْعِزِّ وَلَا ابْنُ سَوَّارٍ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا إِبْدَالًا، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، بِهِمَا قَرَأْتُ، وَبِهِمَا آخُذُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَافَقَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ وَرْشٍ فِي خَاسِيًا، وَنَاشِيَةَ وَمُلِيَتْ وَزَادَ فَأَبْدَلَ {فَبِأَيِّ} حَيْثُ وَقَعَ مَسْبُوقًا بِالْفَاءِ نَحْوُ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ}، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِيمَا تَجَرَّدَ عَنِ الْفَاءِ نَحْوُ {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} فَرَوَى الْحَمَّامِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَالْمُطَّوِّعِيِّ كِلَاهُمَا عَنْهُ إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ فِيهَا، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَامِلِ وَالتَّجْرِيدُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ أَنَّهُ قَرَأَ لَهُ بِالْوَجْهَيْنِ فِي {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} عَلَى شَيْخِهِ الشَّرِيفِ، وَرَوَى التَّحْقِيقَ، عَنْ سَائِرِ الرُّوَاةِ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْفَرَدَ أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ بِالْإِبْدَالِ فِي شَانِيكَ وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ فِي الْكَامِلِ بِالْإِبْدَالِ فِي لَنُبَوِّيَنَّهُمْ. وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِبْدَالًا فِي هَذَا الْحَالِ، فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ، وَاخْتَصَّ الْأَزْرَقُ عَنْ وَرْشٍ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً فِي {لِئَلَّا} فِي الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَدِيدِ.
الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُومَةً بَعْدَ كَسْرٍ وَبَعْدَهَا وَاوٌ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يَحْذِفُ الْهَمْزَةَ وَيَضُمُّ مَا قَبْلَهَا مِنْ أَجْلِ الْوَاوِ نَحْوُ مُسْتَهْزُونَ، وَالصَّابُونَ، وَمُتَّكُونَ، وَمَالُونَ، وَلِيُوَاطُوا، وَيُطْفُوا، وَقُلِ اسْتَهْزُوا وَمَا أَتَى مِنْ ذَلِكَ، وَوَافَقَهُ نَافِعٌ عَلَى الصَّابُونَ، وَهُوَ فِي الْمَائِدَةِ، وَاخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ {الْمُنْشِئُونَ} فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْهَمْزِ ابْنُ الْعَلَّافِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، وَالنَّهْرَوَانِيُّ مِنْ طَرِيقَيِ الْإِرْشَادِ وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ وَالْحَنْبَلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَبِهِ قَطَعَ لَهُ الْأَهْوَازِيُّ، وَبِذَلِكَ قَطَعَ أَبُو الْعِزِّ فِي الْإِرْشَادِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ هِبَةِ اللَّهِ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ، وَبِالْحَذْفِ قَطَعَ ابْنُ مِهْرَانَ وَالْهُذَلِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَنَصَّ لَهُ عَلَى الْخِلَافِ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ، وَالْوَجْهَانِ عَنْهُ صَحِيحَانِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ فِي حَذْفِهِ. وَقَدْ خَصَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْأَلْفَاظَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ نَبِّيُونِي وَأَنْبِيُونِي، وَيَتَّكِيُونَ، وَيَسْتَنْبُونَكَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعِزِّ وَالْهُذَلِيِّ الْعُمُومُ، عَلَى أَنَّ الْأَهْوَازِيَّ وَغَيْرَهُ نَصَّ عَلَيْهَا، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ سِوَى الرِّوَايَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُومَةً بَعْدَ فَتْحٍ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يَحْذِفُهَا فِي وَلَا يَطُونَ، وَلَمْ تَطُوهَا، وَأَنْ تَطُوهُمْ وَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ بِتَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ فِي {رَءُوفٌ} حَيْثُ وَقَعَ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بِتَسْهِيلِ {تَبَوَّءُوا الدَّارَ} كَذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَهْوَازِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ.
الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ مَكْسُورَةً بَعْدَ كَسْرٍ بَعْدَهَا، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يَحْذِفُ الْهَمْزَةَ فِي مُتَّكِئِينَ، وَالصَّابِئِينَ وَالْخَاطِئِينَ وَخَاطِئِينَ وَالْمُسْتَهْزِئِينَ حَيْثُ وَقَعَتْ، وَوَافَقَهُ نَافِعٌ فِي الصَّابِينَ، وَهُوَ فِي الْبَقَرَةِ وَالْحَجِّ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِحَذْفِهَا فِي خَاسِئِينَ أَيْضًا.
السَّادِسُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً بَعْدَ فَتْحٍ، فَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَى تَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوُ أَرَأَيْتُكُمْ، وَأَرَأَيْتُمْ، وَأَرَأَيْتَ، وَأَفَرَأَيْتُمْ حَيْثُ وَقَعَ، وَاخْتُلِفَ عَنِ الْأَزْرَقِ عَنْ وَرْشٍ فِي كَيْفِيَّةِ تَسْهِيلِهَا، فَرَوَى عَنْهُ بَعْضُهُمْ إِبْدَالَهَا أَلِفًا خَالِصَةً، وَإِذَا أَبْدَلَهَا مَدَّ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ مَدًّا مُشْبَعًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ بَابِ الْمَدِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَعِنْدَ الدَّانِيِّ فِي غَيْرِ التَّيْسِيرِ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّنْبِيهُ : إِنَّهُ قَرَأَ بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: وَقَدْ قِيلَ عَنْ وَرْشٍ إِنَّهُ يُبْدِلُهَا أَلِفًا، وَهُوَ أَحْرَى فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ وَالْمُشَافَهَةَ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَدِّ عَنْهُ، وَتَمْكِينُ الْمَدِّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْبَدَلِ، وَجَعْلُهَا بَيْنَ بَيْنَ أَقْيَسُ عَلَى أُصُولِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَحُسْنُ جَوَازِ الْبَدَلِ فِي الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا سَاكِنٌ أَنَّ الْأَوَّلَ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ. فَالْمَدُّ الَّذِي يَحْدُثُ مَعَ السُّكُونِ يَقُومُ مَقَامَ حَرَكَةٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ غَلِطَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ: لَيْسَ غَلَطًا عَلَيْهِ، بَلْ هِيَ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ عَنْهُ، فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- رَوَى أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ، وَنَافِعًا، وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُسْقِطُونَ الْهَمْزَةَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَعُونَ الْأَلِفَ خَلَفًا مِنْهَا، فَهَذَا يَشْهَدُ بِالْبَدَلِ. وَهُوَ مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ، حَكَاهُ قُطْرُبٌ وَغَيْرُهُ. قُلْتُ: وَالْبَدَلُ فِي قِيَاسِ الْبَدَلِ فِي أَأَنْذَرْتَهُمْ وَبَابِهِ، إِلَّا أَنَّ بَيْنَ بَيْنَ فِي هَذَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ وَاخْتَصَّ الْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ وَرْشٍ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ} وَفِي أَفَأَمِنَ وَهُوَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ، أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ وَلَا سَادِسَ لَهَا، وَلِذَا سَهَّلَهَا فِي أَفَأَنْتَ، أَفَأَنْتُمْ وَكَذَلِكَ سَهَّلَ الثَّانِيَةَ مِنْ لَأَمْلَأَنَّ وَوَقَعَتْ فِي الْأَعْرَافِ، وَهُودٍ، وَالسَّجْدَةِ، وَص، وَكَذَلِكَ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَأَنَّ كَيْفَ أَتَتْ، مُشَدَّدَةً أَمْ مُخَفَّفَةً نَحْوُ كَأَنَّهُمْ، كَأَنَّكَ، وَكَأَنَّمَا، وَكَأَنَّهُ، وَكَأَنَّهُنَّ، وَوَيْكَأَنَّهُ، وَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنْ لَمْ تَغْنَ، وَكَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا وَكَذَلِكَ فِي الْهَمْزَةِ فِي تَأَذَّنَ فِي الْأَعْرَافِ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ مِنْ: اطْمَأَنُّوا بِهَا فِي يُونُسَ وَاطْمَأَنَّ بِهِ فِي الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ مِنْ رَأَى فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَرَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ فِي يُوسُفَ وَ رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ، وَرَأَتْهُ حِسْبَتْهُ لُجَّةً فِي النَّمْلِ، وَرَآهَا تَهْتَزُّ فِي الْقَصَصِ خَاصَّةً، وَرَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي تَأَذَّنَ فِي إِبْرَاهِيمَ. فَرَوَى صَاحِبُ الْمُسْتَنِيرِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَغَيْرُهُمَا تَحْقِيقَ الْهَمْزَةِ فِيهِ، وَرَوَى الْهُذَلِيُّ، وَالْحَافِظُ، وَأَبُو الْعَلَاءِ، وَغَيْرُهُمَا تَسْهِيلَهَا، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي الْعِزِّ فِي الْكِفَايَةِ، فَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْهُ التَّحْقِيقُ، وَفِي بَعْضِهَا التَّسْهِيلُ، وَنَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُبْهِجِ، وَانْفَرَدَ النَّهْرَوَانِيُّ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْعِزِّ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَالْجَمَاعَةُ عَنْهُ بِالتَّحْقِيقِ فِي اطْمَأَنَّ بِهِ} فِي الْحَجِّ، وَانْفَرَدَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْعِزِّ، وَابْنُ سَوَّارٍ بِالتَّحْقِيقِ فِي {رَأَتْهُ حِسِبَتْهُ} فِي النَّمْلِ وَرَآهَا تَهْتَزُّ فِي الْقَصَصِ وَرَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَانْفَرَدَ السِّبْطُ فِي الْمُبْهِجِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي {رَأَيْتُهُمْ لِي} فِي يُوسُفَ وَرَآهُ مُسْتَقِرًّا وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنْهُ بِإِطْلَاقِ تَسْهِيلِ رَاتْهُ، وَرَاهَا وَمَا يُشْبِهُهُ، فَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَسْهِيلُ {رَأَيْتَ}، وَ{رَآهُ} وَمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ سَائِرُ النَّاسِ مِنَ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ. نَعَمْ، أَطْلَقَ ذَلِكَ كَذَلِكَ نَصًّا الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَارِسِيِّ عَنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ طُرُقِنَا، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رِوَايَتَيْهِ بِتَسْهِيلِ تَاخَّرَ، وَهُوَ فِي الْبَقَرَةِ وَالْفَتْحِ أَوْ يَتَاخَّرُ فِي الْمُدَّثِّرِ، فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ بِتَسْهِيلِ تَاذَّنَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَاخْتُلِفَ عَنِ الْبَزِّيِّ فِي تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ مِنْ لَاعْنَتَكُمْ فِي الْبَقَرَةِ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْهُ التَّسْهِيلَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ مِنْ طَرِيقَيْهِ. وَرَوَى صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَنْهُ التَّحْقِيقَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْفَارِسِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُبَابِ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ سِوَاهُ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَاخْتَصَّ أَبُو جَعْفَرٍ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ فِي مُتَّكَأً فِي يُوسُفَ، فَيَصِيرُ مِثْلُ: مُتَّقَى.
السَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مَكْسُورَةً بَعْدَ فَتْحٍ. فَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ فِي تَطْمِينُّ، وَبِيسَ حَيْثُ وَقَعَ، وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ. وَأَمَّا الْمُتَحَرِّكُ السَّاكِنُ مَا قَبْلَهُ فَلَا يَخْلُو السَّاكِنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَلِفًا، أَوْ يَاءً، أَوْ زَايًا. فَإِنْ كَانَ أَلِفًا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي اسْرَايِلَ وَ{كَايِّنْ} فِي قِرَاءَةِ الْمَدِّ وَهَانْتُمْ وَاللَّايِ وَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ مِنْ كَهَيَّةِ الطَّايِرِ، فَيَكُونُ طَايِرًا مِنْ مَوْضِعَيْ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ خَاصَّةً، وَسَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا اسْرَايِلَ وَكَايِّنْ حَيْثُ وَقَعَا فَسَهَّلَ الْهَمْزَةَ فِيهِمَا أَبُو جَعْفَرٍ، وَحَقَّقَهَا الْبَاقُونَ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي كَايِّنْ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ فِي كَأَيِّنْ فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْفَرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْعَطَّارُ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَنْكَبُوتِ مَعَ إِدْخَالِ الْأَلِفِ قَبْلَهَا كَأَبِي جَعْفَرٍ سَوَاءً، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ وَعَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا هَانْتُمْ فِي مَوْضِعَيْ آلِ عِمْرَانَ، وَفِي النِّسَاءِ، وَالْقِتَالِ، فَاخْتَلَفُوا فِي تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ فِيهَا وَفِي تَسْهِيلِهَا وَفِي حَذْفِ الْأَلِفِ مِنْهَا، فَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ بَيْنَ بَيْنَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقَيْهِ، فَوَرَدَ عَنِ الْأَزْرَقِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ حَذْفُ الْأَلِفِ، فَيَأْتِي بِهَمْزَةٍ مُسَهَّلَةٍ بَعْدَ الْهَاءِ مِثْلُ هَعَنْتُمْ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّيْسِيرِ غَيْرَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ وَالْإِعْلَانِ.
الثَّانِي إِبْدَالُ الْهَمْزَةِ أَلِفًا مَحْضَةً، فَتَجْتَمِعُ مَعَ النُّونِ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، فَيُمَدُّ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي فِي الْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ وَالْإِعْلَانِ.
الثَّالِثُ إِثْبَاتُ الْأَلِفِ كَقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَقَالُونَ، إِلَّا أَنَّهُ مُشْبَعًا عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالْعُنْوَانِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ، وَوَرَدَ عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا حَذْفُ الْأَلِفِ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَهُوَ طَرِيقُ الْمُطَّوِّعِيِّ عَنْهُ، وَطَرِيقُ الْحَمَّامِيِّ مِنْ جُمْهُورِ طُرُقِهِ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْهُ.
وَالثَّانِي إِثْبَاتُهَا كَقَالُونَ، وَمَنْ مَعَهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ النَّهْرَوَانِيُّ مِنْ طُرُقِهِ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، عَنِ الْفَارِسِيِّ، عَنِ الْحَمَّامِيِّ، عَنْهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ مِهْرَانَ وَغَيْرُهُ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ أَيْضًا، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهُمُ: ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْكُوفِيُّونَ، وَيَعْقُوبُ، وَانْفَرَدَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ وَمَنْ تَبِعَهُ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ، عَنْ رُوَيْسٍ، فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ عَنْ قُنْبُلٍ، فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ حَذْفَ الْأَلِفِ، فَتَصِيرُ مِثْلَ سَالْتُمْ، وَهُوَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَنْ وَرْشٍ، إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّحْقِيقِ، وَكَذَا رَوَى نَظِيفٌ، وَابْنُ بُويَانَ وَابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الصَّبَّاحِ، كُلُّهُمْ عَنْ قُنْبُلٍ، وَوَافَقَ قُنْبُلًا عَلَى ذَلِكَ عَنِ الْقَوَّاسِ أَحْمَدِ بْنِ يَزِيدَ الْحُلْوَانِيِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْعُنْوَانِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْإِرْشَادِ، عَنْ قُنْبُلٍ سِوَاهُ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ شَنَبُوذَ إِثْبَاتَهَا كَرِوَايَةِ الْبَزِّيِّ، وَكَذَا رَوَى الزَّيْنَبِيُّ، وَابْنُ بَقَرَةَ وَأَبُو رَبِيعَةَ، وَإِسْحَاقُ الْخُزَاعِيُّ وَصِهْرُ الْأَمِيرِ، وَالْيَقْطِينِيُّ وَالْبَلْخِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ قُنْبُلٍ، رَوَاهُ بَكَّارٌ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مِهْرَانَ غَيْرَهُ، وَذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الزَّيْنَبِيِّ أَنَّهُ رَدَّ الْحَذْفَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَأَ عَلَى قُنْبُلٍ بِمَدٍّ تَامٍّ، وَكَذَا قَرَأَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوَّاسِ، وَأَصْحَابِ الْبَزِّيِّ وَابْنِ فُلَيْحٍ. وَهِمَ ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي رِوَايَةِ الْحَذْفِ، وَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ: وَلَوْ جَازَ فِي {هَا أَنْتُمْ}، هَانْتُمْ مِثْلُ هَعَنْتُمْ لَجَازَ فِي هَاذَا هَذَا، فَيَصِيرُ حَرْفًا بِمَعْنًى آخَرَ. قُلْتُ: وَفِيمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ، وَحَذْفُ الْأَلِفِ فِي هَانْتُمْ فَقَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَةِ وَرْشٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ رِوَايَةِ مَنْ ذَكَرْنَا، عَنْ قُنْبُلٍ، وَعَنْ شَيْخِهِ الْقَوَّاسِ، وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْدُونَ، وَإِبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيِ الْيَزِيدِيِّ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ شُجَاعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَزَادَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْيَزِيدِيُّ، عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: عَلَى مَعْنَى {أَانْتُمْ} فَصُيِّرَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً، وَزَادَ أَبُو حَمْدُونَ عَنِ الْيَزِيدِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنَّمَا هِيَ آنْتُمْ مَمْدُودَةً، فَجَعَلُوا مَكَانَ الْهَمْزَةِ هَاءً، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. فَقَدْ رَوَاهُ عَنِ الْعَرَبِ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ وَقَالَا: الْأَصْلُ {أَأَنْتُمْ} فَأَبْدَلَ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ هَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَخْرَجِهَا، وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ، وَهُمْ حُجَّةُ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ جَازَ فِي هَانْتُمْ مِثْلُ هَعَنْتُمْ لَجَازَ فِي هَاذَا هَذَا- فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَأَتَى صَوَاحِبُهَا فَقُلْنَ هَذَا الَّذِي *** مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا أَنْشَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَقَالَ: يُرِيدُ إِذَا الَّذِي، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ هَاءً. قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَجُوزُ أَنَّ الْأَصْلَ هَا فِي هَاذَا لِلتَّنْبِيهِ، فَحُذِفَتْ أَلِفُهَا كَمَا حُذِفَتْ أَلِفُ هَا التَّنْبِيهِ نَحْوُ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ وَقْفًا، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ مِنْ أَشْكَلِ حُرُوفِ الِاخْتِلَافِ وَأَغْمَضِهَا وَأَدَقِّهَا، وَتَحْقِيقُ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الرُّوَاةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا حَالَ تَحْقِيقِ هَمْزَتِهَا وَتَسْهِيلِهَا لَا يَتَحَصَّلُ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْهَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا؛ أَهِيَ لِلتَّنْبِيهِ أَمْ مُبْدَلَةٍ مِنْ هَمْزَةٍ؟ فَبِحَسَبِ مَا يُسْتَقَرُّ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ يُقْضَى لِلْمَدِّ وَالْقَصْرِ بَعْدَهَا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْهَاءَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو، وَقَالُونَ، وَهِشَامٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّنْبِيهِ، وَأَنْ تَكُونُ مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ قُنْبُلٍ وَوَرْشٍ لَا تَكُونُ إِلَّا مُبْدَلَةً لَا غَيْرَ، قَالَ: وَعَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَزِّيِّ وَابْنِ ذَكْوَانَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلتَّنْبِيهِ فَمَنْ جَعَلَهَا لِلتَّنْبِيهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ لَمْ يَزِدْ فِي تَمْكِينِ الْأَلِفِ سَوَاءٌ حَقَّقَ الْهَمْزَةَ أَوْ سَهَّلَهَا. وَمَنْ جَعَلَهَا مُبْدَلَةً، وَكَانَ مِمَّنْ يَفْصِلُ بِالْأَلِفِ زَادَ فِي التَّمْكِينِ سَوَاءٌ أَيْضًا حَقَّقَ الْهَمْزَةَ أَوْ لَيَّنَهَا. انْتَهَى. وَقَدْ تَبِعَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَزَادَ عَلَيْهِ احْتِمَالَ وَجْهَيِ الْإِبْدَالِ وَالتَّنْبِيهِ، عَنْ كُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَزَادَ أَيْضًا قَوْلَهُ: وَذُو الْبَدَلِ الْوَجْهَانِ عَنْهُ مُسَهَّلًا، وَقَدِ اخْتَلَفَ شُرَّاحُ كَلَامِهِ فِي مَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ بِذِي الْبَدَلِ مَنْ جَعَلَ الْهَاءَ مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةٍ، وَالْأَلِفَ لِلْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّصِلَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَقَّقَ هَمْزَةَ {أَنْتُمْ} فَلَا خِلَافَ عَنْهُ فِي الْمَدِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالسَّمَاءِ وَالْمَاءِ، وَمَنْ سَهَّلَ لَهُ الْمَدَّ وَالْقَصْرَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ حَرْفَ مَدٍّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ، فَيَصِيرُ لِلْكَلَامِ فَائِدَةٌ، وَيَكُونُ قَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ شُرَيْحٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِذِي الْبَدَلِ وَرْشًا ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي {هَا أَنْتُمْ} لَا يُبْدِلُهَا أَلِفًا إِلَّا وَرْشٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ، يَعْنِي أَنَّ عَنْهُ الْمَدَّ وَالْقَصْرَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُخَفَّفًا بِالْبَدَلِ وَالتَّسْهِيلِ، إِذَا أَبْدَلَ مَدَّ وَإِذَا سَهَّلَ قَصَرَ، وَلَيْسَ تَحْتَ هَذَا التَّأْوِيلِ فَائِدَةٌ، وَتَعَسُّفُهُ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَأَكْثَرُ مَا ذُكِرَ فِي وَجْهَيْ كَوْنِهَا مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةٍ أَوْ هَاءِ تَنْبِيهٍ تَمَحُّلٌ وَتَعَسُّفٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُبْدَلَةً، أَوْ غَيْرَ مُبْدَلَةٍ، وَلَوْلَا مَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ نَصَّ عَلَى إِبْدَالِ الْهَاءِ مِنَ الْهَمْزَةِ لَمْ نَصِرْ إِلَيْهِ، وَلَمْ نَجْعَلْهُ مُحْتَمَلًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَسْمُوعٌ فِي كَلِمَاتٍ، فَلَا يَنْقَاسُ، وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فِي هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلِمَ يَجِئْ فِي نَحْوِ: أَتَضْرِبُ زَيْدًا هَتَضْرِبُ زَيْدًا، وَمَا أَنْشَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَاءَ تَنْبِيهٍ وَقُصِرَتْ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَكُونُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْهَاءِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهَمْزَةِ {أَنْتُمْ} لَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَصَلَ التَّوْجِيهَ لِاسْتِقْبَالِ اجْتِمَاعِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَقَدْ زَالَ هُنَا بِإِبْدَالِ الْأُولَى هَاءً، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ حَذَفُوا الْهَمْزَةَ فِي نَحْوِ ارِيقُهُ وَأَصِلُهُ أَأُرِيقُهُ لِاجْتِمَاعِ الْهَمْزَتَيْنِ، فَلَمَّا أَبْدَلُوهَا هَاءً لَمْ يَحْذِفُوهَا، بَلْ قَالُوا: أُهْرِيقُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: أُجْرِيَ الْبَدَلُ فِي الْفَصْلِ مَجْرَى الْمُبْدَلِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ احْتِمَالَهُ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ قَوْلَهُمْ: إِنَّ الْهَاءَ لَا تَكُونُ فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ وَقُنْبُلٍ إِلَّا مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةٍ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُمَا إِثْبَاتُ الْأَلِفِ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا الْفَصْلُ فِي الْهَمْزَتَيْنِ الْمُجْتَمِعَتَيْنِ، فَكَيْفَ هُنَا؟ وَكَذَلِكَ نَمْنَعُ احْتِمَالَ الْوَجْهَيْنِ عَنْ كُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ؛ فَإِنَّهُ مُصَادِمٌ لِلْأُصُولِ وَمُخَالِفٌ لِلْأَدَاءِ، وَالَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ: إِنَّ قَصْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الْهَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَذْهَبِ ابْنِ عَامِرٍ، وَالْكُوفِيِّينَ وَيَعْقُوبَ وَالْبَزِّيِّ إِلَّا لِلتَّنْبِيهِ، وَنَمْنَعُ كَوْنَهَا مُبْدَلَةً فِي مَذْهَبِ هِشَامٍ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} وَبَابُهُ الْفَصْلُ وَعَدَمُهُ، فَلَوْ كَانَتْ فِي {هَا أَنْتُمْ} كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَهِيَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَابِ الْمُنْفَصِلِ بِلَا شَكٍّ، فَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ الْمَدِّ فِيهَا عَنِ الْبَزِّيِّ وَلَا عِنْدَ مَنْ رَوَى الْقَصْرَ، عَنْ يَعْقُوبَ، وَحَفْصٍ وَهِشَامٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَذْهَبِ الْبَاقِينَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ يَقْوَى الْبَدَلُ فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ، وَقُنْبُلٍ وَأَبِي عَمْرٍو؛ لِثُبُوتِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ وَيَضْعُفُ فِي مَذْهَبِ قَالُونَ وَأَبِي جَعْفَرٍ لِعَدَمِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِلتَّنْبِيهِ وَأَثْبَتَ الْأَلِفَ وَقَصَرَ الْمُنْفَصِلَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِي الْأَلِفِ مِنَ الْمَدِّ. وَإِنْ مَدَّهُ جَازَ لَهُ الْمَدُّ عَلَى الْأَصْلِ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ، وَالْقَصْرُ اعْتِدَادًا بِالْعَارِضِ مِنْ أَجْلِ تَغْيِيرِ الْهَمْزَةِ بِالتَّسْهِيلِ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مُبْدَلَةً وَأَثْبَتَ الْأَلِفَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمَدِّ سَوَاءٌ قَصَرَ الْمُفَصَّلَ، أَوْ مَدَّهُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَنَا لِعُرُوضِ حَرْفِ الْمَدِّ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقَدْ يُزَادُ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمَدِّ وَتُنْزَلُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْمُتَّصِلِ مِنْ مَذْهَبِ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {اللَّائِي} فَهُوَ فِي الْأَحْزَابِ، وَالْمُجَادَلَةِ، وَمَوْضِعَيِ الطَّلَاقِ. فَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ بِإِثْبَاتِ يَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا وَهُمْ: نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ، وَاخْتُلِفَ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَتَسْهِيلِهَا وَإِبْدَالِهَا، فَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَقَالُونُ وَقُنْبُلٌ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَوَرْشٌ بِتَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالْبَزِّيِّ فَقَطَعَ لَهَا الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً بِالتَّسْهِيلِ كَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ، وَالْكِفَايَةِ، وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْغَايَتَيْنِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالرَّوْضَةِ، وَقَطَعَ لَهُمَا الْمَغَارِبَةُ قَاطِبَةً بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً سَاكِنَةً، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالْهَادِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَالْعُنْوَانِ، فَيَجْتَمِعُ سَاكِنَانِ فَيُمَدُّ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: هِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَالْوَجْهَانِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، ذَكَرَهُمَا الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، فَالْأَوَّلُ وَهُوَ التَّسْهِيلُ قَرَأَ بِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو، وَرِوَايَةِ الْبَزِّيِّ، وَالْإِبْدَالُ قَرَأَ بِهِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَارِسِيِّ، وَانْفَرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْعَطَّارُ، عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ وَرْشٍ فِي الْأَحْزَابِ مِثْلَ قَالُونَ، وَفِي الْمُجَادَلَةِ كَابْنِ عَامِرٍ، وَفِي الطَّلَاقِ كَالْأَزْرَقِ، فَخَالَفَ فِي ذَلِكَ سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ يَاءً فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي {النَّسِيءُ} وَفِي {بَرِيءٌ} وَجَمْعِهِ وَهَنِيئًا وَ{مَرِيئًا} وَ{كَهَيْئَةِ} وَ{يَيْأَسُ} وَمَا جَاءَ مِنْ لَفْظِهِ فَأَمَّا {النَّسِيءُ}، وَهُوَ فِي التَّوْبَةُ، فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَوَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ مِنْهَا يَاءً وَإِدْغَامِ الْيَاءِ الَّتِي قَبْلَهَا فِيهَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ بِذَلِكَ فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {بَرِيءٌ} وَ{بَرِيئُونَ} حَيْثُ وَقَعَ {وَهَنِيئًا} وَ{مَرِيئًا}، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، فَرَوَى هِبَةُ اللَّهِ مِنْ طُرُقِهِ وَالْهُذَلِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ شَبِيبٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِالْإِدْغَامِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَى الْهَاشِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْمَغَازِلِيِّ وَالدُّورِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَرَوَى بَاقِي أَصْحَابُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ ذَلِكَ بِالْهَمْزِ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ، وَأَمَّا {كَهَيْئَةِ} وَهُوَ فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ، فَرَوَاهُ ابْنُ هَارُونَ مِنْ طُرُقِهِ، وَالْهُذَلِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ كَذَلِكَ بِالْإِدْغَامِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الدُّورِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بِالْهَمْزِ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ سَوَّارٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِمَدِّ الْيَاءِ مَدًّا مُتَوَسِّطًا، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {يَيْأَسُ} وَهُوَ فِي يُوسُفَ {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ}، وَ{لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ}، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} وَفِي الرَّعْدِ {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ} اخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ الْبَزِّيِّ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو رَبِيعَةَ مِنْ عَامَّةِ طُرُقِهِ بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ إِلَى مَوْضِعِ الْيَاءِ وَتَأْخِيرِ الْيَاءِ إِلَى مَوْضِعِ الْهَمْزَةِ، فَتَصِيرُ تَايَسُوا ثُمَّ تُبْدَلُ الْهَمْزَةُ أَلِفًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّهَبِيِّ، وَابْنِ بَقَرَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الْبَزِّيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ خُوَاسْتِي الْفَارِسِيِّ، عَنِ النَّقَّاشِ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْحُبَابِ بِالْهَمْزِ كَالْجَمَاعَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ سَائِرِ الرُّوَاةِ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْمَهْدَوِيُّ وَسَائِرُ الْمَغَارِبَةِ عَنِ الْبَزِّيِّ سِوَاهُ، وَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِالْقَلْبِ وَالْإِبْدَالِ فِي الْخَمْسَةِ كَرِوَايَةِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الْهَمْزِ زَايًا فَهُوَ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ: جُزْءٌ فِي الْبَقَرَةِ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا وَفِي الْحِجْرِ {جُزْءٌ مَقْسُومٌ} وَفِي الزُّخْرُفِ {مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} وَلَا رَابِعَ لَهَا، فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ حَذَفَ الْهَمْزَةَ بِنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى الزَّايِ تَخْفِيفًا، ثُمَّ ضَعَّفَ الزَّايَ كَالْوَقْفِ عَلَى فَرَجٍ عِنْدَ مَنْ أَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ السَّوَاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزِ، فَإِنَّ لَهُ بَابًا يَخْتَصُّ بِتَحْقِيقِهِ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَقِيَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَلِمَاتٌ: اخْتَلَفُوا فِي الْهَمْزِ فِيهَا وَعَدَمِهِ عَلَى غَيْرِ قَصْدِ التَّخْفِيفِ، وَهِيَ {النَّبِيُّ} وَبَابُهُ وَيُضَاهُونَ، وَمُرْجَوْنَ، وَتُرْجِي، وَضِيَا، وَبَادِيَ، وَالْبَرِيَّةِ فَأَمَّا {النَّبِيُّ} وَمَا جَاءَ مِنْهُ {النَّبِيُّونَ}، وَ{النَّبِيِّينَ}، وَ{الْأَنْبِيَاءَ}، وَ{النُّبُوَّةَ} حَيْثُ وَقَعَ، فَقَرَأَ نَافِعٌ بِالْهَمْزِ، وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْتِقَاءِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمَ. وَأَمَّا يُضَاهُونَ وَهُوَ فِي التَّوْبَةِ يُضَاهُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالْهَمْزِ فَيَنْضَمُّ مِنْ أَجْلِ وُقُوعِ الْوَاوِ بَعْدَهَا، وَتَنْكَسِرُ الْهَاءُ قَبْلَهَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَيَضُمُّ الْهَاءَ قَبْلُ مِنْ أَجْلِ الْوَاوِ، وَأَمَّا {مُرْجَوْنَ} وَهِيَ فِي التَّوْبَةِ أَيْضًا {مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} وَ{تُرْجِي} وَهُوَ فِي الْأَحْزَابِ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} فَقَرَأَهُمَا بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَقَرَأَهُمَا الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَأَمَّا {ضِيَاءً} وَهُوَ فِي يُونُسَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْقَصَصِ، فَرَوَاهُ قُنْبُلٌ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الضَّادِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَزَعَمَ ابْنُ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ غَلِطَ مَعَ اعْتِرَافِهِ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ عَلَى قُنْبُلٍ، وَخَالَفَ النَّاسَ ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ، فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْهَمْزِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَوَافَقَ قُنْبُلًا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحُلْوَانِيُّ، فَرَوَاهُ كَذَلِكَ عَنِ الْقَوَّاسِ شَيْخِ قُنْبُلٍ، وَهُوَ عَلَى الْقَلْبِ، قُدِّمَتْ فِيهِ اللَّامُ عَلَى الْعَيْنِ كَمَا قِيلَ فِي عَاتٍ عَتَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَأَمَّا بَادِيَ وَهُوَ فِي هُودَ {بَادِيَ الرَّأْيِ} فَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الدَّالِّ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَأَمَّا {الْبَرِيَّةِ} وَهُوَ فِي لَمْ يَكُنْ {شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، وَ{خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} فَقَرَأَهُمَا نَافِعٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ إِذَا لَقِيَتِ الْهَمْزَةُ السَّاكِنَةُ سَاكِنًا فَحُرِّكَتْ لِأَجْلِهِ كَقَوْلِهِ فِي الْأَنْعَامِ: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} وَفِي الشُّورَى {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ} خُفِّفَتْ فِي مَذْهَبِ مَنْ يُبْدِلُهَا وَلَمْ تُبْدَلْ لِحَرَكَتِهَا. فَإِنْ فُصِلَتْ مِنْ ذَلِكَ السَّاكِنِ بِالْوَقْفِ عَلَيْهَا دُونَهُ أُبْدِلَتْ لِسُكُونِهَا، وَذَلِكَ فِي مَذْهَبِ أَبِي جَعْفَرٍ وَوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي جَامِعِ الْبَيَانِ.
الثَّانِي الْهَمْزَةُ الْمُتَطَرِّفَةُ الْمُتَحَرِّكَةُ فِي الْوَصْلِ نَحْوُ {تَشَاءُ}، وَ{يَسْتَهْزِئُ}، وَ{لِكُلِّ امْرِئٍ} إِذَا سَكَنَتْ فِي الْوَقْفِ فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ فِي مَذْهَبِ مَنْ يُبْدِلُ الْهَمْزَةَ السَّاكِنَةَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ فِي جَامِعِهِ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَرَى تَرْكَ الْهَمْزَةِ فِي الْوَقْفِ فِي هُودٍ عَلَى بَادِئَ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي ذَلِكَ تُسَكَّنُ لِلْوَقْفِ. قَالَ: وَذَلِكَ خَطَأٌ فِي مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا إِيقَاعُ الْإِشْكَالِ بِمَا لَا يُهْمَزُ، إِذْ هُوَ عِنْدَهُ مِنَ الِابْتِدَاءِ الَّذِي أَصْلُهُ الْهَمْزُ لَا مِنَ الظُّهُورِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ فِي نَحْوِ قُرِئَ، وَاسْتُهْزِئَ وَشِبْهُهُمَا بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ مَذْهَبِهِ فِيهِ. قُلْتُ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ وَيُصَحِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ إِبْدَالِ هَمْزَةِ {بَارِئِكُمْ} حَالَةَ إِسْكَانِهَا تَخْفِيفًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ هَانْتُمْ إِذَا قِيلَ فِيهَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَا فِيهَا لِلتَّنْبِيهِ دَخَلَتْ عَلَى أَنْتُمْ، فَهِيَ بِاتِّصَالِهَا رَسْمًا كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، كَمَا هِيَ فِي {هَذَا} وَ{هَؤُلَاءِ} لَا يَجُوزُ فَصْلُهَا مِنْهَا وَلَا الْوُقُوفُ عَلَيْهَا دُونَهَا. وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الدَّانِيِّ فِي جَامِعِهِ خِلَافَ ذَلِكَ، فَقَالَ: بَعْدَ ذِكْرِهِ وَجْهَ كَوْنِهَا لِلتَّنْبِيهِ مَا نَصُّهُ: الْأَصْلُ هَاأَنْتُمْ، هَا دَخَلَتْ عَلَى أَنْتُمْ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى أُولَاءِ فِي قَوْلِهِ {هَؤُلَاءِ} فَهِيَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ يُسْكَتُ عَلَى إِحْدَاهُمَا وَيُبْتَدَأُ بِالثَّانِيَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى مَرْسُومِ الْخَطِّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الرَّابِعُ إِذَا قُصِدَ الْوَقْفُ عَلَى اللَّايْ فِي مَذْهَبِ مَنْ يُسَهِّلُ الْهَمْزَةَ بَيْنَ بَيْنَ إِنْ وَقَفَ بِالرَّوْمِ وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَإِنْ وَقَفَ بِالسُّكُونِ وَقَفَ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى {أَأَنْتَ}، وَ{أَرَأَيْتَ} عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَوَى الْبَدَلَ عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، فَإِنَّهُ يُوقِفُ عَلَيْهِ بِتَسْهِيلٍ بَيْنَ بَيْنَ عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ فِي اللَّايْ وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ اجْتِمَاعِ ثَلَاثِ سَوَاكِنَ ظَوَاهِرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُشَدَّدِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ تَخْفِيفِ الْهَمْزِ الْمُفْرَدِ لُغَةً لِبَعْضِ الْعَرَبِ، اخْتَصَّ بِرِوَايَتِهِ وَرْشٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلِمَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ حَرْفِ مَدٍّ، وَأَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ الْأُخْرَى، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السَّاكِنُ تَنْوِينًا، أَوْ لَامَ تَعْرِيفٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيَتَحَرَّكُ ذَلِكَ السَّاكِنُ بِحَرَكَةِ الْهَمْزَةِ، وَتَسْقُطُ هِيَ مِنَ اللَّفْظِ؛ لِسُكُونِهَا وَتَقْدِيرِ سُكُونِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ}، وَ{خَبِيرٍ أَنْ لَا تَعْبُدُوا}، وَ{بِعَادٍ إِرَمَ،} وَ{لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}، وَ{حَامِيَةٌ أَلْهَاكُمُ} وَنَحْوُ {الْآخِرَةَ}، وَ{الْآخِرَ}، وَ{الْأَرْضِ}، وَ{الْأَسْمَاءَ}، وَ{الْإِنْسَانِ}، وَ{الْإِيمَانَ}، {وَالْأُولَى}، وَ{الْأُخْرَى}، وَ{الْأُنْثَى} وَنَحْوُ {مَنْ آمَنَ}، وَ{مَنْ إِلَهٌ}، وَ{مِنِ إِسْتَبْرَقٍ}، وَ{مَنْ أُوتِيَ}، {وَلَقَدْ آتَيْنَا}، وَ{الم أَحَسِبَ النَّاسُ}، وَ{فَحَدِّثْ أَلَمْ نَشْرَحْ}، وَ{خَلَوْا إِلَى}، وَ{ابْنَيْ آدَمَ} وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنَّ كَانَ السَّاكِنُ حَرْفَ مَدٍّ تَرَكَهُ عَلَى أَصْلِهِ الْمُقَرَّرِ فِي بَابِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ نَحْوُ يَايُّهَا، وَانَّا انْ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ، وَقَالُوا آمَنَّا وَاخْتُلِفَ، عَنْ وَرْشٍ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّاكِنِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي الْحَاقَّةِ {كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ} فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ إِسْكَانَ الْهَاءِ وَتَحْقِيقَ الْهَمْزَةِ عَلَى مُرَادِ الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ مِنْ أَجْلِ إِنْهَاءِ هَاءِ السَّكْتِ، وَهَذَا الَّذِي قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّيْسِيرِ غَيْرَهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَأَ بِالتَّحْقِيقِ مِنْ طَرِيقَيْهِ عَلَى الْخَاقَانِيِّ وَأَبِي الْفَتْحِ، وَابْنِ غَلْبُونَ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، عَنِ ابْنِ نَفِيسٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْهُ، وَعَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ عِرَاكٍ، عَنْهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ أَيْضًا بِغَيْرٍ خُلْفٍ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى النَّقْلَ فِيهِ كَسَائِرِ الْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَبِهِ قَطَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الْعِرَاقِيِّينَ لَهُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هِلَالٍ عَنْهُ. وَأَشَارَ إِلَى ضَعْفِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَقَالَ مَكِّيٌّ: أَخَذَ قَوْمٌ بِتَرْكِ النَّقْلِ فِي هَذَا، وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَأَقْوَى، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ فِي هِدَايَتِهِ وَعَنْهُ {كِتَابِيَهْ إِنِّي} النَّقْلُ وَالتَّحْقِيقُ، فَسَوَّى بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: وَتَرْكُ النَّقْلِ فِيهِ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَالْأَصَحُّ لَدَيْنَا، وَالْأَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ هَاءُ سَكْتٍ، وَحُكْمُهَا السُّكُونُ، فَلَا تُحَرَّكُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قُبْحٍ، وَأَيْضًا فَلَا تُثْبَتُ إِلَّا فِي الْوَقْفِ، فَإِذَا خُولِفَ الْأَصْلُ فَأُثْبِتَتْ فِي الْوَصْلِ إِجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْوَقْفِ لِأَجْلِ إِثْبَاتِهَا فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ الْأَصْلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ تَحْرِيكُهَا، فَيَجْتَمِعُ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مُخَالَفَتَانِ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْهَاشِمِيِّ، عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ بِالنَّقْلِ كَمَذْهَبِ وَرْشٍ فِيمَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى النَّقْلِ فِي مِنِ اسْتَبْرَقٍ فَقَطْ فِي الرَّحْمَنِ رُوَيْسٌ وَوَافَقَهُ عَلَى {آلْآنَ} فِي مَوْضِعَيْ يُونُسَ وَهُمَا: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ}، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} قَالُونُ وَابْنُ وَرْدَانَ، وَانْفَرَدَ الْحَمَّامِيُّ عَنِ النَّقَّاشِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْجَمَّالِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ قَالُونَ بِالتَّحْقِيقِ فِيهَا كَالْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ انْفَرَدَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ لِحِكَايَتِهِ فِي وَجْهٍ لِأَبِي نَشِيطٍ، وَقَدْ خَالَفَا فِي ذَلِكَ جَمِيعَ أَصْحَابِ قَالُونَ وَجَمِيعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْفَرَدَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَلَّافِ أَيْضًا، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِالتَّحْقِيقِ فِي الْحَرْفَيْنِ، فَخَالَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ فِي {آلْآنَ} فِي بَاقِي الْقُرْآنِ فَرَوَى النَّهْرَوَانِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَابْنُ هَارُونَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ هِبَةِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُمَا النَّقْلَ فِيهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَهْوَازِيِّ، وَالرَّهَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ، وَرَوَاهُ هِبَةُ اللَّهِ، وَابْنُ مِهْرَانَ وَالْوَرَّاقُ وَابْنُ الْعَلَّافِ، عَنْ أَصْحَابِهِمْ، عَنْهُ، بِالتَّحْقِيقِ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْهَاشِمِيُّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ النَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاتَّفَقَ وَرْشٌ وَقَالُونُ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ فِي: {عَادًا الْأُولَى} فِي النَّجْمِ عَلَى نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَإِدْغَامِ التَّنْوِينِ قَبْلَهَا فِي حَالَةِ الْوَصْلِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَاخْتُلِفَ عَنْ قَالُونَ فِي هَمْزِ الْوَاوِ الَّتِي بَعْدَ اللَّامِ، فَرَوَى عَنْهُ هَمْزَهَا جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّانِيُّ عَنْهُ وَلَا ابْنُ مِهْرَانَ وَلَا الْهُذَلِيُّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ سِوَاهُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهَادِي وَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْكَافِي وَالتَّذْكِرَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْعُنْوَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى ابْنِ نَفِيسٍ وَعَبْدِ الْبَاقِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ، وَرَوَاهُ عَنْهُ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ لَهُ ابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْعِزِّ وَأَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، وَسِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ، وَرَوَى عَنْهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَاطِبَةً مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ كَصَاحِبِ التَّذْكَارِ، وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْكِفَايَةِ، وَالْإِرْشَادِ وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْكِفَايَةِ فِي السِّتِّ وَالْمِصْبَاحِ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَاهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْهَمْزَ أَشْهَرُ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَعَدَمَهُ أَشْهَرُ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ، وَلَيْسَ الْهَمْزُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ قَالُونُ كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى الرِّوَايَاتِ وَمَشْهُورِ الطُّرُقِ وَالْقِرَاءَاتِ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَابْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ نَافِعٍ وَابْنِ ذَكْوَانَ وَابْنِ سَعْدَانَ، عَنِ الْمُسَيَّبِيِّ، عَنْهُ. وَانْفَرَدَ بِهِ الْحَنْبَلِيُّ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ الْهَمْزِ، فَقِيلَ وَجْهُهُ ضَمَّةُ اللَّامِ قَبْلَهَا، فَهُمِزَتْ لِمُجَاوَرَةِ الضَّمِّ كَمَا هُمِزَتْ فِي: سُؤْقٍ وَيُؤْقِنُ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَحَبُّ الْمُؤْقِدِينَ إِلَيَّ مُوسَى *** ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْحُجَّةِ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِي الْوَاوِ الْهَمْزُ، وَأُبْدِلَتْ لِسُكُونِهِ بَعْدَ هَمْزٍ مَضْمُومٍ وَاوًا كَـ أُوتِيَ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى بَعْدَ النَّقْلِ زَالَ اجْتِمَاعُ الْهَمْزَتَيْنِ، فَرَجَعَتْ لَكَ الْهَمْزَةُ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لَهُ: قَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُنْتَحِلِينَ لِمَذْهَبِ الْقُرَّاءِ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقِرَاءَةِ قَالُونَ بِحِيلَةٍ وَجَهْلِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُولَى وَزْنُهَا فُعْلَى؛ لِأَنَّهَا تَأْنِيثُ أَوَّلٍ، كَمَا أَنَّ أُخَرَ تَأْنِيثُ أُخْرَى، هَذَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَهْمِزِ الْوَاوَ فَمَعْنَاهَا عَلَى هَذَا الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّيْءِ مُتَقَدِّمُهُ، فَأَمَّا فِي قَوْلِ قَالُونَ فَهِيَ عِنْدِي مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَأَلَ. أَيْ: لَجَا، وَيُقَالُ: نَجَا. فَالْمَعْنَى أَنَّهَا نَجَتْ بِالسَّبْقِ لِغَيْرِهَا، فَهَذَا وَجْهٌ بَيِّنٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَبْيَنَ فَلَيْسَ سَبِيلُ ذَلِكَ أَنْ يُدْفَعَ وَيُطْلَقَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إِنَّمَا تَأْخُذُ بِالْأَثْبَتِ عِنْدَهَا فِي الْأَثَرِ دُونَ الْقِيَاسِ إِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ سُنَّةً. فَالْأَصْلُ فِيهَا عَلَى قَوْلِهِ: وُءْلَى بِوَاوٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً لِانْضِمَامِهِمَا كَمَا أُبْدِلَتْ فِي: أُقِّتَتْ، وَهِيَ مِنَ الْوَقْتِ، فَاجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ: الثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ، وَالْعَرَبُ لَا تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا أُبْدِلَتْ فِي يُومِنُ وَيُوتَى وَشِبْهِهِمَا، ثُمَّ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ، فَقِيلَ: الْأُولَى بِلَامٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ، فَلَمَّا أَتَى التَّنْوِينُ قَبْلَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ {عَادًا} الْتَقَى سَاكِنَانِ، فَأُلْقِيَتْ حِينَئِذٍ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ وَحَرَّكْتَهَا بِهَا لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ. وَلَوْ كَسَرْتَ التَّنْوِينَ وَلَمْ تُدْغِمْهُ لَكَانَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنْ هَذَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ، فَلَمَّا عَدِمَتِ الْمَضْمُومَةُ وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا لَفْظًا رَدَّ قَالُونُ تِلْكَ الْهَمْزَةَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِإِبْدَالِهَا. فَعَامَلَ اللَّفْظَ. قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ {لِقَاءَنَا}، {ايْتِ}، {وَقَالَ ايْتُونِي} وَشِبْهُهُ مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَلِفُ الْوَصْلِ عَلَى الْهَمْزَةِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَصَلْتَ حَقَّقْتَ الْهَمْزَةَ لِعَدَمِ وُجُودِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ابْتَدَأْتَ كَسَرْتَ أَلِفَ الْوَصْلِ، وَأَبْدَلْتَ الْهَمْزَةَ، فَكَذَلِكَ هُنَا. فَعَلَهُ قَالُونَ وَقَالَ: أَصْلُ أُولَى عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وُولَى بِوَاوَيْنِ- تَأْنِيثُ أَوَّلٍ- قُلِبَتِ الْوَاوُ الْأُولَى هَمْزَةً وُجُوبًا حَمْلًا عَلَى جَمْعِهِ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وُءْلَى بِوَاوٍ وَهَمْزَةٍ مِنْ وَأَلَ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً عَلَى حَدِّ وُجُوهٍ فَاجْتَمَعَ هَمْزَتَانِ، فَأُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ وَاوًا عَلَى حَدِّ أُوتِيَ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأُولَى فِي الْقِرَاءَتَيْنِ بِمَعْنًى، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْكُوفِيُّونَ بِكَسْرِ التَّنْوِينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا. هَذَا حُكْمُ الْوَصْلِ، وَأَمَّا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيَجُوزُ فِي مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو، وَيَعْقُوبَ، وَقَالُونَ إِذَا لَمْ يَهْمِزِ الْوَاوَ،، وَأَبِي جَعْفَرٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، وَمِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْحَنْبَلِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا الْأُولَى بِإِثْبَاتِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا، وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَنُصَّ ابْنُ سَوَّارٍ عَلَى سِوَاهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ عِبَارَةِ أَكْثَرِ الْمُؤَلِّفِينَ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فِي التَّيْسِيرِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ، وَكِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ، وَالْإِعْلَانِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَغَيْرِهَا، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّبْصِرَةِ وَالتَّجْرِيدِ، وَالْكَافِي، وَالْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْكِفَايَةِ.
الثَّانِي لُولَى بِضَمِّ اللَّامِ وَحَذْفِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ قَبْلَهَا اكْتِفَاءً عَنْهَا بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ ثَانِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَالتَّيْسِيرِ، وَالتَّذْكِرَةِ وَالْغَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي، وَالْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَكِفَايَتِهِ، وَغَيْرِهَا، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ فِي ذَلِكَ، وَشِبْهُهُ فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ وَطَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ كَمَا سَيَأْتِي.
الثَّالِثُ الْأُولَى تُرَدُّ الْكَلِمَةُ إِلَى أَصْلِهَا فَتَأْتِي بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْغَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي التَّبْصِرَةِ، وَالتَّجْرِيدِ،. قَالَ مَكِّيٌّ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ: وَهَذَا أَجْوَدُ الْوُجُوهِ، وَقَالَ فِي التَّيْسِيرِ : وَهُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْوُجُوهِ وَأَقْيَسُهَا؛ لِمَا بَيَّنْتُهُ مِنَ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ : وَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي أَوْجَهُ الثَّلَاثَةِ، وَأَلْيَقُ وَأَقْيَسُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي دَعَتْ إِلَى مُنَاقَضَةِ الْأَصْلِ فِي الْوَصْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ- خَاصَّةً مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ- هِيَ التَّنْوِينُ فِي كَلِمَةِ عَادٍ لِسُكُونِهِ وَسُكُونِ لَامِ الْمَعْرِفَةِ بَعْدُ، فَحَرَّكَ اللَّامَ حِينَئِذٍ بِحَرَكَةِ الْهَمْزَةِ؛ لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ وَيَتَمَكَّنَ إِدْغَامُ التَّنْوِينِ فِيهَا إِيثَارًا لِلْمَرْوِيِّ عَنِ الْعَرَبِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَالْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ وَالْإِدْغَامُ فِي الِابْتِدَاءِ مَعْدُومٌ بِافْتِرَاقِ الْكَلِمَتَيْنِ حِينَئِذٍ بِالْوَقْفِ عَلَى إِحْدَاهُمَا وَالِابْتِدَاءِ بِالثَّانِيَةِ، فَلَمَّا زَالَتِ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا فِي الِابْتِدَاءِ- وَجَبَ رَدُّ الْهَمْزِ لِيُوَافِقَ بِذَلِكَ- يَعْنِي أَصْلَ مَذْهَبِهِمْ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ. انْتَهَى. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ بِهَا لِقَالُونَ فِي وَجْهِ هَمْزِ الْوَاوِ، وَلِلْحَنْبَلِيِّ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهِ أَحَدُهَا الُاؤْلَى بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَضَمِّ اللَّامِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ عَلَى الْوَاوِ ثَانِيهَا لُولَى بِضَمِّ اللَّامِ وَحَذْفِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَهَمْزَةِ الْوَاوِ ثَالِثُهَا الْأُولَى كَوَجْهِ أَبِي عَمْرٍو الثَّالِثِ. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ هِيَ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الثَّالِثَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَذَكَرَهُ لِقَالُونَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّانِي لِقَالُونَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَذَكَرَ لَهُ الثَّالِثَ بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ، فَقَالَ: وَقِيلَ إِنَّهُ يُبْتَدَأُ لِقَالُونَ بِالْقَطْعِ وَهَمْزَةٍ كَالْجَمَاعَةِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ أَبِي الْعَلَاءِ الْحَافِظِ جَوَازُ الثَّالِثِ عَنْ وَرْشٍ أَيْضًا، وَهُوَ سَهْوٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ السَّاكِنُ وَالْهَمْزُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي كَلِمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ {رِدْءًا}، وَ{مِلْءُ}، {وَالْقُرْآنَ}، {وَاسْأَلْ} أَمَّا {رِدْءًا} مِنْ قَوْلِهِ: {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} فِي الْقَصَصِ فَقَرَأَهُ بِالنَّقْلِ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ، إِلَّا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَبْدَلَ مِنَ التَّنْوِينِ أَلِفًا فِي الْحَالَيْنِ، وَوَافَقَهُ نَافِعٌ فِي الْوَقْفِ، وَأَمَّا {مِلْءُ} مِنْ قَوْلِهِ: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} فِي آلِ عِمْرَانَ. فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ وَالْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ وَرْشٍ، فَرَوَاهُ بِالنَّقْلِ النَّهْرَوَانِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَبِهِ قَطَعَ لِابْنِ وَرْدَانَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَرَوَاهُ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ أَبُو الْعِزِّ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْكِفَايَةِ، وَابْنُ سَوَّارٍ، فِي الْمُسْتَنِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعُمَرِيِّ عَنْهُ، وَرَوَاهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِغَيْرِ نَقْلٍ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ، وَقَطَعَ لِلْأَصْبَهَانِيِّ فِيهِ بِالنَّقْلِ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَسْرُورٍ وَأَبِي الْفَرَجِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا، عَنْهُ، وَهُوَ نَصُّ ابْنِ سَوَّارٍ، عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ، عَنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ نَصًّا، عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَرَوَاهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِغَيْرِ نَقْلٍ، وَالْوَجْهَانِ عَنْهُ صَحِيحَانِ، قَرَأْتُ بِهِمَا جَمِيعًا عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ وَرْدَانَ، وَبِهِمَا آخُذُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْقُرْآنُ وَمَا جَاءَ مِنْهُ نَحْوُ {قُرْآنَ الْفَجْرِ}، وَ{قُرْآنًا فَرَقْنَاهُ}، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فَقَرَأَ بِالنَّقْلِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَمَّا {وَاسْأَلْ} وَمَا جَاءَ مِنْ لَفْظِهِ نَحْوُ {وَاسْأَلُوا اللَّهَ}، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، {فَاسْأَلِ الَّذِينَ}، {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ}، {فَاسْأَلُوهُنَّ} إِذَا كَانَ فِعْلُ أَمْرٍ وَقَبْلَ السِّينِ وَاوًا أَوْ فَاءً. فَقَرَأَهُ بِالنَّقْلِ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعَ بِغَيْرِ نَقْلٍ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ لَامُ التَّعْرِيفُ وَإِنِ اشْتَدَّ اتِّصَالُهَا بِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَكُتِبَتْ مَعَهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ الَّذِي يُنْقَلُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُوجِبِ اتِّصَالُهَا خَطًّا أَنْ تَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ مِنْ نَفْسِ الْبِنْيَةِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا أَسْقَطْتَهَا لَمْ يَخْتَلَّ مَعْنَى الْكَلِمَةِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِزَوَالِهَا الْمَعْنَى الَّذِي دَخَلَتْ بِسَبَبِهِ خَاصَّةً وَهُوَ التَّعْرِيفُ، وَنَظِيرُ هَذَا النَّقْلِ إِلَى هَذِهِ اللَّامِ إِبْقَاءً لِحُكْمِ الِانْفِصَالِ عَلَيْهَا- وَإِنِ اتَّصَلَتْ خَطًّا- سَكْتُ حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ عَلَيْهَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا هَمْزٌ، كَمَا يَسْكُتُونَ عَلَى السَّوَاكِنِ الْمُنْفَصِلَةِ حَسْبَمَا يَجِيءُ فِي الْبَابِ الْآتِي فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ هِيَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي، وَهُوَ اللَّامُ وَحْدَهَا، وَبِهَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ، وَإِنَّمَا الْأَلِفُ قَبْلَهَا أَلِفُ وَصْلٍ؛ وَلِهَذَا تَسْقُطُ فِي الدَّرَجِ، فَهِيَ إِذًا بِمَنْزِلَةِ بَاءِ الْجَرِّ وَكَافِ التَّشْبِيهِ مِمَّا هُوَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ؛ وَلِهَذَا كُتِبَتْ مَوْصُولَةً فِي الْخَطِّ بِمَا بَعْدَهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَدَاةَ التَّعْرِيفِ هِيَ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَأَنَّ الْهَمْزَةَ تُحْذَفُ فِي الدَّرَجِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا ثُبُوتُهَا مَعَ تَحْرِيكِ اللَّامِ حَالَةَ النَّقْلِ نَحْوُ الَحْمَرُ، الَرْضُ وَأَنَّهَا تُبْدَلُ أَوْ تُسَهَّلُ بَيْنَ بَيْنَ مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوَ آلذَّكَرَيْنِ، وَأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي الِاسْمِ الْعَظِيمِ فِي النِّدَاءِ نَحْوَ يَا أَللَّهُ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ ذِكْرِ ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ، وَالْقَصْدُ ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ التَّنْبِيهُ الثَّانِي فَنَقُولُ: إِذَا نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فِي نَحْوِ الْأَرْضِ، الْآخِرَةِ، الْآنَ، الْإِيمَانِ، الْأُولَى، الْأَبْرَارِ وَقُصِدَ الِابْتِدَاءُ عَلَى مَذْهَبِ النَّاقِلِ، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ حَرْفُ التَّعْرِيفِ أَلْ، أَوِ اللَّامَ فَقَطْ؛ فَإِنْ جُعِلَتْ أَلْ ابْتَدَأَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَبَعْدَهَا اللَّامُ الْمُحَرَّكَةُ بِحَرَكَةِ هَمْزَةِ الْقَطْعِ، فَتَقُولُ: الَرْضُ، الَاخِرَةُ، الِايمَانُ، الَبْرَارُ لَيْسَ إِلَّا، وَإِنْ جُعِلَتِ اللَّامُ فَقَطْ فَإِمَّا أَنْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ- وَهُوَ حَرَكَةُ اللَّامِ بَعْدَ النَّقْلِ- أَوْ لَا يُعْتَدَّ بِذَلِكَ وَيُعْتَبَرَ الْأَصْلُ. فَإِذَا اعْتَدَدْنَا بِالْعَارِضِ حَذَفْنَا هَمْزَةَ الْوَصْلِ، وَقُلْنَا: لَرْضُ، لَاخِرَةُ، لِيمَانُ، لَانَ، لَبْرَارُ لَيْسَ إِلَّا، وَإِنْ لَمْ نَعْتَدَّ بِالْعَارِضِ وَاعْتَبَرْنَا الْأَصْلَ جَعَلْنَا هَمْزَةَ الْوَصْلِ عَلَى حَالِهَا وَقُلْنَا الَرْضُ، الَاخِرَةُ كَمَا قُلْنَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ حَرْفَ التَّعْرِيفِ أَلْ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ فِي كُلِّ مَا يُنْقَلُ إِلَيْهِ مِنْ لَامَاتِ التَّعْرِيفِ لِكُلِّ مَنْ يَنْقُلُ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ لِنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ فِي الْأُولَى مِنْ عَادًا الُاولَى كَمَا تَقَدَّمَ وَجَازَ فِي الَانَ لِابْنِ وَرْدَانَ فِي وَجْهِ النَّقْلِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا الْحَافِظَانِ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِمَا قَرَأْنَا لِوَرْشٍ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، وَبِهِمَا نَأْخُذُ لَهُ وَلِلْهَاشِمِيِّ، عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، مِنْ طَرِيقِ الْهُذَلِيِّ، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَ الِاسْمُ} فَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: وَإِذَا ابْتَدَأْتَ الِاسْمَ فَالَّتِي بَعْدَ اللَّامِ عَلَى حَذْفِهَا لِلْكُلِّ، وَالَّتِي قَبْلَهَا فَقِيَاسُهَا جَوَازُ الْإِثْبَاتِ وَالْحَذْفِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِرُجْحَانِ الْعَارِضِ الدَّائِمِ عَلَى الْعَارِضِ الْمُفَارِقِ، وَلَكِنِّي سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِي فَقَالَ: الِابْتِدَاءُ بِالْهَمْزِ وَعَلَيْهِ الرَّسْمُ. انْتَهَى. قُلْتُ: الْوَجْهَانِ جَائِزَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَالْأَوْلَى الْهَمْزُ فِي الْوَصْلِ وَالنَّقْلِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَارِضٍ دَائِمٍ وَلَا مُفَارِقٍ، بَلِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ بِالْأَصْلِ الْأَصْلُ، وَكَذَلِكَ رُسِمَتْ. نَعَمْ، الْحَذْفُ جَائِزٌ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ حَذْفَهَا مِنَ الْأُولَى فِي النَّجْمِ أَوْلَى لِلْحَذْفِ لَسَاغَ، وَلَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ تَفْصِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَبْلَ لَامِ التَّعْرِيفِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ، أَوْ سَاكِنٌ غَيْرُهُنَّ لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ حَرْفِ الْمَدِّ، وَلَا رَدُّ سُكُونِ السَّاكِنِ مَعَ تَحْرِيكِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ فِي ذَلِكَ عَارِضٌ، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَقُدِّرَ السُّكُونُ؛ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ حَرْفُ الْمَدِّ، وَحُرِّكَ السَّاكِنُ حَالَةَ الْوَصْلِ، وَذَلِكَ نَحْوُ وَأَلْقَى الَالْوَاحَ، وَسِيرَتَهَا الُاولَى، وَإِذَا الَارْضُ، وَأُولِي الَامْرِ، وَفِي الَانْعَامِ، وَيُحْيِي الَارْضَ، وَقَالُوا الَانَ، وَأَنْكِحُوا الَايَامَى، وَأَنْ تُؤَدُّوا الَامَانَاتِ وَنَحْوُ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الَانَ، وَبَلِ الِانْسَانُ، وَأَلَمْ نُهْلِكِ الَاوَّلِينَ، وَعَنِ الَاخِرَةِ، وَمِنَ الَارْضِ، وَمِنَ الُاولَى، وَأَشْرَقَتِ الَارْضُ، وَفَلْيَنْظُرِ الِانْسَانُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ صِلَةً، أَوْ مِيمَ جَمْعٍ نَحْوُ وَبِدَارِهِ الَارْضَ، وَلَا تُدْرِكُهُ الَابْصَارُ، وَهَذِهِ الَانْهَارُ، وَهَذِهِ الَانْعَامُ، وَيُلْهِهِمُ الَامَلُ، وَأَنْتُمُ الَاعْلَوْنَ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، كَالْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي اللُّغَةِ وَعِنْدَ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ الْوَجْهَانِ: الِاعْتِدَادُ بِحَرَكَةِ النَّقْلِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَأَجْرَوْا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ مَا يَقْتَضِي مِنَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ وَصْلًا وَلَا ابْتِدَاءً، وَلَا دُخُولَ هَمْزَةٍ وَلَا عَدَمَ دُخُولِهَا، بَلْ قَالُوا: إِنِ اعْتَدَدْنَا بِالْعَارِضِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى حَذْفِ حَرْفٍ مِنْ فِي الَارْضِ وَلَا إِلَى تَحْرِيكِ النُّونِ مِنْ لَانَ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ ثَعْلَبٌ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الْفَرَّاءِ: لَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حَبَّ سَمْرَاءَ خِيفَةً *** فَبُحْ لَانَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ وَعَلَى ذَلِكَ قَرَأْنَا لِابْنِ مُحَيْصِنٍ يَسْأَلُونَكَ عَنْ لَهِلَّةِ، وَعَنْ لَانْفَالِ، وَمِنْ لَاثِمِينَ وَشِبْهَهُ بِالْإِسْكَانِ فِي النُّونِ وَإِدْغَامِهَا، وَهُوَ وَجْهُ قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ مَعَهُ عَادًا لُولَى فِي النَّجْمِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَمَّا رَأَى أَبُو شَامَةَ إِطْلَاقَ النُّحَاةِ وَوَقَفَ عَلَى تَقْيِيدِ الْقُرَّاءِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ، فَتَوَسَّطَ وَقَالَ مَا نَصُّهُ: جَمِيعُ مَا نَقَلَ فِيهِ وَرْشٌ الْحَرَكَةَ إِلَى لَامِ الْمَعْرِفَةِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ غَيْرَ عَادًا لُولَى هُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا ظَهَرَتْ فِيهِ أَمَارَةُ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الَارْضِ زِينَةً وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الَآخِرَةِ وَيَدْعُ الِانْسَانُ قَالُوا الَانَ، أَزِفَتِ الَازِفَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ نَقْلِ الْحَرَكَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَرُدَّ حُرُوفَ الْمَدِّ الَّتِي حُذِفَتْ لِأَجْلِ سُكُونِ اللَّامِ، وَلَمْ تُسَكَّنْ تَاءُ التَّأْنِيثِ الَّتِي كُسِرَتْ لِسُكُونِ لَازِفَةُ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا اعْتَدَّ بِالْحَرَكَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، فَيَنْبَغِي إِذَا ابْتَدَأَ الْقَارِئُ لَهُ فِيهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ، وَإِنْ تَحَرَّكَتْ فَكَأَنَّهَا بَعْدُ سَاكِنَةٌ.
الْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَمَارَةٌ نَحْوُ وَقَالَ الِانْسَانُ مَا لَهَا فَإِذَا ابْتَدَأَ الْقَارِئُ لِوَرْشٍ هُنَا اتَّجَهَ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ. انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الْجَعْبَرِيُّ فَقَالَ: وَهَذَا فِيهِ عُدُولٌ عَنِ النَّقْلِ إِلَى النَّظَرِ، وَفِيهِ حَظْرٌ. قُلْتُ: صِحَّةُ الرِّوَايَةِ بِالْوَجْهَيْنِ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بِنَصِّ مَنْ يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اعْتَدَّ بِالْعَارِضِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْوَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رِوَايَةً مَعَ الْجَوَازِ فِيهِمَا لُغَةً؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْمَدِّ لِلسَّاكِنِ وَالْحَرَكَةِ لِأَجْلِهِ فِي الْوَصْلِ سَابِقٌ لِلنَّقْلِ، وَالنَّقْلُ طَارِئٌ عَلَيْهِ، فَأُبْقِيَ عَلَى حَالِهِ لِطَرَآنِ النَّقْلِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ فِيهِ بِالْحَرَكَةِ، وَأَمَّا حَالَةُ الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّ النَّقْلَ سَابِقٌ لِلِابْتِدَاءِ، وَالِابْتِدَاءُ طَارِئٌ عَلَيْهِ، فَحَسُنَ الِاعْتِدَادُ فِيهِ، أَلَا تَرَاهُ لَمَّا قَصَدَ الِابْتِدَاءَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ فِيهَا إِلَى اللَّامِ لَمْ تَكُنِ اللَّامُ إِلَّا مُحَرَّكَةً، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَذْفُهُمْ حَرْفَ الْمَدِّ مِنْ نَحْوِ {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ}، {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ،} وَ{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} وَإِثْبَاتُهُمْ لَهُ فِي {وَلَا تَوَلَّوْا}، وَ{كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ} لِطَرَآنِ الْإِدْغَامِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَذَلِكَ وَاضِحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ مِيمُ الْجَمْعِ، أَمَّا لِوَرْشٍ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ عِنْدَ الْهَمْزَةِ صِلَتُهَا بِوَاوٍ، فَلَمْ تَقَعِ الْهَمْزَةُ بَعْدَهَا فِي مَذْهَبِهِ إِلَّا بَعْدَ حَرْفِ مَدٍّ مِنْ أَجْلِ الصِّلَةِ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْهَاشِمِيِّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ، فَإِنَّ الْهُذَلِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ الصِّلَةِ مُطْلَقًا، وَمُقْتَضَى هَذَا الْإِطْلَاقِ عَدَمُ صِلَتِهَا عِنْدَ الْهَمْزَةِ، وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى النَّقْلِ مُطْلَقًا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ النَّقْلُ إِلَى مِيمِ الْجَمْعِ. وَهَذَا مِنَ الْمُشْكَلِ تَحْقِيقُهُ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمَ لَهُ نَصًّا فِي مِيمِ الْجَمْعِ بِخُصُوصِيَّتِهَا بِشَيْءٍ، فَأَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَالَّذِي أُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَدَمُ النَّقْلِ فِيهَا بِخُصُوصِيَّتِهَا وَالْأَخْذُ فِيهَا بِالصِّلَةِ، وَحُجَّتِي فِي ذَلِكَ أَنِّي لَمَّا لَمْ أَجِدْ لَهُ فِيهَا نَصًّا رَجَعْتُ إِلَى أُصُولِهِ وَمَذَاهِبِ أَصْحَابِهِ، وَمَنِ اشْتَرَكَ مَعَهُ عَلَى الْأَخْذِ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ، وَوَافَقَهُ عَلَى النَّقْلِ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ أَحَدُ الرُّوَاةِ الْمَشْهُورِينَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَرْدَانَ، فَوَجَدْتُهُ يَرْوِي النَّقْلَ نَصًّا وَأَدَاءً، وَخَصَّ مِيمَ الْجَمْعِ بِالصِّلَةِ لَيْسَ إِلَّا. وَكَذَلِكَ وَرْشٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ النَّقْلِ عَنْ نَافِعٍ، كُلُّهُمْ لَمْ يَقْرَأْ فِي مِيم الْجَمْعِ بِغَيْرِ صِلَةٍ، وَوَجَدْتُ نَصَّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا فِي عَدَمِ جَوَازِ النَّقْلِ فِي مِيمِ الْجَمْعِ. فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى عَدَمِ النَّقْلِ فِيهَا، وَحَسُنَ الْمَصِيرُ إِلَى الصِّلَةِ دُونَ عَدَمِهَا جَمْعًا بَيْنَ النَّصِّ لِمَنْعِ النَّقْلِ فِيهَا وَبَيْنَ الْقِيَاسِ فِي الْأَخْذِ بِالصِّلَةِ فِيهَا دُونَ الْإِسْكَانِ، وَذَلِكَ أَنِّي لَمَّا لَمْ أَرَ أَحَدًا نَقَلَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَا عَنْ نَافِعٍ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ النَّقْلَ فِي غَيْرِ مِيمِ الْجَمْعِ وَخَصَّصَهَا بِالْإِسْكَانِ، كَمَا أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ نَصَّ عَلَى النَّقْلِ فِيهَا، وَحَمَلَ رِوَايَةَ الرَّاوِي عَلَى مَنْ شَارَكَهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ، أَوْ وَافَقَهُ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْقِرَاءَةِ أَصْلٌ مُعْتَمَدٌ عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ التَّشْكِيكِ وَالْإِشْكَالِ، فَقَدِ اعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- لَمَّا لَمْ يَجِدُوا نَصًّا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُجِزْ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ فِي {أَأَعْجَمِيٌّ}، وَ{أَأِنْ كَانَ} لِابْنِ ذَكْوَانَ سِوَى الْفَصْلِ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ. قَالَ مَكِّيٌّ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا فِي التَّبْصِرَةِ : لَكِنَّ ابْنَ ذَكْوَانَ لَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ أَمْرُهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ هِشَامٌ فِي أَيِنَّكُمْ وَأَنْذَرْتَهُمْ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ مِثْلَ أَبِي عَمْرٍو وَقَالُونَ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الرَّاوِي مَعَهُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا مَذْهَبُ حَمْزَةَ فِي الْوَقْفِ فَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ رَأَيْتُ النَّصَّ عَلَى الْهَاشِمِيِّ الْمَذْكُورِ لِأَبِي الْكَرَمِ الشَّهْرَزُورِيِّ وَأَبِي مَنْصُورِ بْنِ خَيْرُونَ بِصِلَةِ مِيمِ الْجَمْعِ لِلْهَاشِمِيِّ عِنْدَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ، فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ، وَاتَّضَحَ مَا حَاوَلْنَاهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَفْتُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ كِفَايَةِ الْمُنْتَهِي وَنِهَايَةِ الْمُبْتَدِي لِلْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي ذَرٍّ أَسْعَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بُنْدَارٍ الْيَزْدِيِّ صَاحِبِ الشَّهْرَزُورِيِّ وَابْنِ خَيْرُونَ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَمَدِينَ، وَأَهْلِ الْأَدَاءِ الْمُحَقِّقِينَ.
|